فصل: ذكر قصة معز الدين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)



.ذكر قصة معز الدين:

وهذا معز الدين هو سنجر شاه بن سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي، وهو صاحب الجزيرة إذ ذاك، وكان من قصته أنه حضر للجهاد وقد ذكرت تاريخ وصوله وأنه أخذ منه الضجر والسآمة والقلق بحيث ترددت رسله ورقاعه إلى السلطان في طلب الدستور، والسلطان يعتذر إليه بأن رسل العدو متكررة في معنى الصلح ولا يجوز أن تنفض العساكر حتى تتميز على ماذا ينفصل الحال من سلم أو حرب، وهو لا يألو جهداً في طلب الدستور، إلى أن كان يوم عيد الفطر من سنة ست وثمانين، وحضر سحر ذلك اليوم في باب الخيمة السلطانية فاستأذن في الدخول فاعتذر إليه بالتياث حتى قد عري مزاج السلطان فلم يقبل العذر، وكرر الاستئذان، فأذن له في الدخول، فلما مثل بالخدمة استأذن في الرواح شفاهاً، فذكر له السلطان العذر بذلك وقال: هذا وقت تقدم العساكر وتجمعها لا وقت تفرّقها.فانكب على يده وقبلها كالمودّع له ونهض من ساعته وسار، وأمر أصحابه أن ألقوا القدور فيها الطعام وقلعوا الخيم وتبعوه، فلما بلغ السلطان صنيعه، أمر بإنشاء مكاتبة إليه يقول فيها: إنك أنت قصدت الانتماء إلى ابتداء وراجعتني في ذلك مراراً وأظهرت الخيفة على نفسك وقلبك وبلدك من أهلك، فقبلتك وآويتك ونصرتك وبسطت يدك في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، فأنفدت إليك ونهيتك عن ذلك مراراً فلم تنته، واتفق وقوع هذه الواقعة للإسلام فدعوناك، فأتيت بعسكر قد عرفته وعرفه الناس وأقمت هذه المدة المديدة وقلقت هذا القلق وتحركت هذه الحركة وانصرفت عن غير طيب نفس وغير فصل حال مع العدو. فانظر لنفسك وأبصر من تنتمي إليه غيري، واحفظ نفسك ممن يقصدك فمالي إلى جانبك التفات. وسلّم الكتاب إلى نجاب فلحقه قريباً من طبرية، فقرأ الكتاب ولم يلتفت، وسار على وجهه. وكان الملك المظفر تقي الدين قد استدعى إلى الغزاة بسبب حركة مظفر الدين على ما سبق شرحه، فلقيه في الطريق في موضع يسمى عقبة ميق، فرآه محثاً ولم ير عليه أمارات حسنة، وسأله عن حاله، فأخبره بأمره وتعتب على السلطان كيف لم يخلع عليه ولم يأذن له، ففهم الملك المظفر انفصاله من غير دستور من السلطان وأنه على خلاف اختياره، فقال له المصلحة لك أن ترجع إلى الخدمة وتلازم إلى أن يأذن لك وأنت صبي ولم تعلم غائلة هذا الأمر، فقال ما يمكنني الرجوع، فقال: ترجع عن غير يد فليس في الرواح على هذا الوجه لك راحة أصلاً. فأصرّ على الرواح، فخشي عليه وقال: ترجع من غير اختيارك. وكان تقي الدين شديد البأس مقداماً على الأمور ليس في عينه من أحد شيْ، فلما علم أنه قابضه إن لم يرجع باختياره رجع معه حتى أتى العسكر، وخرج الملك العادل ونحن في خدمته إلى لقاء الملك المظفر، فوجدنا معه، فدخلا به على السلطان وسألاه الصفح عنه، وطلب أن يقيم في جوار تقي الدين خشية على نفسه، فأذن له، فأقام في جواره إلى حين ذهابه.

.ذكر طلب عماد الدين الدستور:

وذلك أن عماد الدين زنكي عم المذكور ألحّ في طلب الدستور وشكا هجوم الشتاء عليه مع عدم الاستعداد له، والسلطان يعتذر إليه بأن الرسل متواترة بيننا وبين العدو في الصلح وربما انتظم فينبغي أن يكون انتظامه بحضوركم فالرأي مشترك، واستأذن في أن يحمل إليه خيام الشتاء، فلم يفعل، وأن يحمل إليه نفق فلم يفعل، وتكررت منه الرسل إلى السلطان في المعنى، والسلطان يكرر الاعتذار. ولقد كنت بينهم في شيء من ذلك، وكان عند عماد الدين من على العزم الرواح ما يجاوز كل وصف، وعند السلطان من إمساكه إلى أن يفصل أمر بيننا وبينهم ما لا يحد، وآل الأمر إلى أن يكتب عماد الدين بخطه ويطلب فيه الإذن في الرواح وتليّذن فيها وتخشّن، فأخذها السلطان وكتب في ظهرها بيده الكريمة: من ضيع مثلي من يده، فليت شعري ما استفاد. فوقف عماد الدين عليها وانقطعت مراجعة بالكلية.

.ذكر خروج العدو إلى رأس الماء:

وتواترت الأخبار بضعف العدو ووقوع الغلاء في بلادهم وعسكرهم حتى أن الغرارة من القمح بلغت في أنطاكية ستة وتسعين دياوا صورية، ولا يزيدهم ذلك إلاّ صبراً وإصراراً وعنادا. ولما ضاق بهم الأمر وعظم الغلاء وخرج منهم خلق عظيم مستأمنين من شدة الجوع عزموا على الخروج إلينا، وكان طمعهم بسبب مرض السلطان، فظنوا أنه لا يستطيع النهوض، وكان خروجهم يوم الإثنين حادي عشر شوّال بخيلهم ورجلهم حاملين أزواداً وخياماً إلى الآبار التي استحدثها المسلمون تحت تل الحجل لما كانوا نزولا عليه وأخذوا عليق أربعة أيام، فأخبر رحمه الله بخروجهم على هذا الوجه، فأمر اليزك أن يتراجع من بين أيديهم إلى تل كيسان وكان اليزك على العياضية، وكان نزول العدو على الآبار بعد صلاة العصر من اليوم المذكور، وباتوا تلك الليلة واليزك حولهم جميع الليل، فلما طلع الصبح جاء من اليزك من أخبره بأنهم قد تحركوا للركوب، وكان قد أمر الثقل في أول الليل أن يسيروا إلى الناصرة والقيمون، فرحل الثقل وبقي الناس، وكنت في جملة من أقام في خدمته، وأمر العسكر أن يركب يمنة ويسرة وقلبا تعبية القتال، وركب هو، وصاح الجاويش بالناس، فركبوا وسار حتى وقف على تل من جبال الخروبة، وابتدأت الميمنة بالمسير، فسارت حتى بلغ آخرها الجبل، وسارت الميسرة حتى بلغ آخرها النهر بقرب البحر، فكان في الميمنة ولده الملك الأفضل صاحب دمشق وولده الملك الظاهر صاحب حلب وولده الملك الظافر صاحب بصرى وولد عز الدين صاحب الموصل علاء الدين خرم شاه، ثم أخوه في طرفها، ويليه قريباُ منه حسام الدين لاجين والطواشي قايماز النجمي وعز الدين جرديك النوري وحسام الدين بشاره صاحب بانياس وبدر الدين دلدرم، وجمع كثير من الأمراء، وكان في الميسرة عماد الدين زنكي صاحب سنجار وابن أخيه معز الدين صاحب الجزيرة، وفي طرفها الملك المظفر تقي الدين ابن أخيه، وكان عماد الدين زنكي غائباً مع الثقل لمرض كان ألمّ به وبقي عسكره، وكان في الميسرة على المشطوب وجميع المهرانية والهكارية وخشترين وغيرهم من الأمراء الأكراد، وفي القلب الحلقة السلطانية. وتقدم السلطان أن يخرج من كل عسكر جمع من الجاليش وأن يدوروا حول العسكر واليزك معهم وأخفى بعض الأطلاب وراء التلال عساهم أن يجدوا عزة من العدو. ولم يزل عدو الله يسير والناس من جميع جوانبه وهو سائر على شاطئ النهر من الجانب الشرقي حتى رأس العين وداروا حوله حتى عبروا الجانب الغربي ونزلوا والقتال يتلقف منهم الأبطال. ويصرع منهم الرجال. وكان نزولهم على تل هناك، وضربوا خيامهم هناك ممتدة منه إلى النهر. وجرح منهم في ذلك اليوم خلق عظيم، وقتل منهم أيضاً جماعة وكانوا إذا جرح واحد منهم حملوه أو قتل دفنوه وهم سائرون حتى لا يبين قتيل ولا جريح، وكان نزولهم يوم الثلاثاء بعد الظهر وتراجعت العساكر إلى مواطن المصابرة ومواقف الحراسة، وتقدم السلطان إلى الميسرة أن تستدير بهم بحيث يقع آخرها على البحر والميمنة يستدير بالنهر من الجانب الشرقي والجاليش يقاتلهم بقربهم ويرميهم بالنشاب بحيث لا يقطع النشاب عنهم أصلا، وبات الناس تلك الليلة على هذا المثال، وسار هو رحمه الله ونحن في خدمته إلى رأس جبل الخروبة، فنزل في خيمة لطيفة والناس حوله في خيم لطاف بمرأى من العدو واجتاز العدو يتواصل ساعة فساعة إلى الصبح. ولما كان يوم الأربعاء وصل من أخبر أنهم تحركوا للركوب، فركب هو ورتب الأطلاب وسار حتى أتى أقرب جبال الخروبة إليهم بحيث يشاهد أحوالهم. ملتاث المزاج ضعيف القوى قوي القلب ثم بعث إلى العساكر وأمرها بالمقاتلة والمضايقة والحملة عليهم من كل جانب وأمر الأطلاب أن تحيط بهم بحيث لا تكون قريبة ولا بعيدة لتكون وراء المقاتلة إلى أن تضاحي النهار وسار العدو إلى شاطئ النهر من الجانب الغربي يطلب جهة جهة والقتال يشتد عليهم من كل جانب إلا من جانب النهر والتحم القتال فصرع منهم خلق عظيم وهم يدفنون قتلاهم ويحملون جرحاهم وقد جعلوا رجالتهم سوراً لهم تضرب الناس بالزنبورك والنشاب حتى لا يترك أحد يصل إليهم إلا بالنشاب فإنه كان يظهر إليهم كالجراد وخيالتهم يسيرون في وسطهم بحيث لم يظهر منهم أحد في ذلك اليوم أصلاً والكؤسات تخفق والبوقات تنعر والأصوات بالتهليل والتكبير تعلو، هذا والسلطان يمد الجاليش بالأطلاب والعساكر التي عنده حتى لم يبق معه إلا نفر يسير ونحن نشاهد الأحوال وعَلَم العدو مرتفع على عجلة هو مغروس فيها وهي تسحب بالبغال وهم يذبون عن العلم وهو عال جداً كالمنارة خرقته بياض ملمع بأحمر على شكل الصلبان ولم يزالوا سائرين على هذا الوجه حتى وصلوا وقت الظهر قبالة جسر دعوق وقد ألجمهم العطش وأخذ منهم التعب وأثخنهم الجراح واشتد الأمر بهم من شدة الحر. ولقد قاتل المسلمون في ذلك اليوم قتالاً شديداً وأعطوا الجهاد حقه وهجموا عليهم هجوماً عظيماً واستداروا بهم كالحلقة وهم لا يظهرون من رجالتهم ولا يحملون فكان الفعل معظمه للحلقة في ذلك اليوم فإنهم أذاقوهم طعم الموت وجرح منهم جماعة كأبار الطويل فإنه قام في تلك الحرب العظيمة أعظم مقام وجرح جراحات متعددة وهو مستمر على القتال وجراح سيف الدين يازكوج جراحات متعددة وهو من فرسان الإسلام وشجعانه وله مقامات متعددة وجرح خلق كثير ولم تزل الناس حولهم حتى نزلوا ظهر نهار ذلك اليوم عند جسر دعوق وقطعوا الجسر وأخربوه خوفاً من عبور الناس إليهم ورجع السلطان إلى تل الخروبة وأقام عليه يزكاً يحرسهم وأخبارهم تتواتر حتى الصباح وعزم في تلك الليلة على كبس بقيتهم وكتب إلى البلد يعرفهم ذلك حتى يخرجوهم من ذلك الجانب فلم يصل من أهل البلد كتاب فرجع عن ذلك العزم بسبب تأخر الكتاب، ولما كان صباح يوم الخميس رابع عشر الشهر وصل من أخبر أن العدو على حركة الرحيل فركب السلطان ورتب الأطلاب وكف الناس عن القتال خشية أن يغتالوا فإن العدو كان قد قرب من خيمه وأداروا الأطلاب في الجانب الشرقي من النهر تسير قبالة العدو حتى وصلوا إلى خيمه، وكان ممن خرج من مقدميهم في هذه السرية الكندهري والمركيس وتخلف ابن ملك الألمان في الخيم مع جمع كثير منهم، ولما دخل العدو إلى خيمهم كان لهم فيها أطلاب مستريحة فخرجت إلى اليزك الإسلامي وحملت عليه ونشب القتال بين اليزك وبينهم وجرى قتال عظيم قتل فيه من العدو وجرح خلق عظيم وقتل من المسلمين ثلاثة نفر وقتل من العدو شخص كبير فيهم مقدم عليهم وكان على حصان عظيم ملبس بالزرد إلى حافره وكان عليه لباس لم ير مثله وطلبوه من السلطان بعد انفصال الحرب فدفع إليهم جثته وطلب رأسه فلم يوجد وعاد السلطان إلى مخيمه وأعاد الثقل إلى مكانه وعاد كل قوم إلى منزلتهم وعاد عماد الدين وقد أقلعت حماة وبقي الثبات مزاج السلطان وقد كان سبب سلامة هذه الطائفة مع كونه لا يقدر على مباشرة الأمر بنفسه ولقد رأيته وهو يبكي في حال الحرب كيف لم يقدر على مخالطته ورأيته وهو يأمر أولاده واحد بعد واحد بمكافحة الأمر ومخالطة الحرب، ولقد سمعت منه وقائل يقول إن الوخم قد عظم في مرج عكا بحيث أن الموت قد كثر في الطائفتين ينشد متمثلاً:كر التي عنده حتى لم يبق معه إلا نفر يسير ونحن نشاهد الأحوال وعَلَم العدو مرتفع على عجلة هو مغروس فيها وهي تسحب بالبغال وهم يذبون عن العلم وهو عال جداً كالمنارة خرقته بياض ملمع بأحمر على شكل الصلبان ولم يزالوا سائرين على هذا الوجه حتى وصلوا وقت الظهر قبالة جسر دعوق وقد ألجمهم العطش وأخذ منهم التعب وأثخنهم الجراح واشتد الأمر بهم من شدة الحر. ولقد قاتل المسلمون في ذلك اليوم قتالاً شديداً وأعطوا الجهاد حقه وهجموا عليهم هجوماً عظيماً واستداروا بهم كالحلقة وهم لا يظهرون من رجالتهم ولا يحملون فكان الفعل معظمه للحلقة في ذلك اليوم فإنهم أذاقوهم طعم الموت وجرح منهم جماعة كأبار الطويل فإنه قام في تلك الحرب العظيمة أعظم مقام وجرح جراحات متعددة وهو مستمر على القتال وجراح سيف الدين يازكوج جراحات متعددة وهو من فرسان الإسلام وشجعانه وله مقامات متعددة وجرح خلق كثير ولم تزل الناس حولهم حتى نزلوا ظهر نهار ذلك اليوم عند جسر دعوق وقطعوا الجسر وأخربوه خوفاً من عبور الناس إليهم ورجع السلطان إلى تل الخروبة وأقام عليه يزكاً يحرسهم وأخبارهم تتواتر حتى الصباح وعزم في تلك الليلة على كبس بقيتهم وكتب إلى البلد يعرفهم ذلك حتى يخرجوهم من ذلك الجانب فلم يصل من أهل البلد كتاب فرجع عن ذلك العزم بسبب تأخر الكتاب، ولما كان صباح يوم الخميس رابع عشر الشهر وصل من أخبر أن العدو على حركة الرحيل فركب السلطان ورتب الأطلاب وكف الناس عن القتال خشية أن يغتالوا فإن العدو كان قد قرب من خيمه وأداروا الأطلاب في الجانب الشرقي من النهر تسير قبالة العدو حتى وصلوا إلى خيمه، وكان ممن خرج من مقدميهم في هذه السرية الكندهري والمركيس وتخلف ابن ملك الألمان في الخيم مع جمع كثير منهم، ولما دخل العدو إلى خيمهم كان لهم فيها أطلاب مستريحة فخرجت إلى اليزك الإسلامي وحملت عليه ونشب القتال بين اليزك وبينهم وجرى قتال عظيم قتل فيه من العدو وجرح خلق عظيم وقتل من المسلمين ثلاثة نفر وقتل من العدو شخص كبير فيهم مقدم عليهم وكان على حصان عظيم ملبس بالزرد إلى حافره وكان عليه لباس لم ير مثله وطلبوه من السلطان بعد انفصال الحرب فدفع إليهم جثته وطلب رأسه فلم يوجد وعاد السلطان إلى مخيمه وأعاد الثقل إلى مكانه وعاد كل قوم إلى منزلتهم وعاد عماد الدين وقد أقلعت حماة وبقي الثبات مزاج السلطان وقد كان سبب سلامة هذه الطائفة مع كونه لا يقدر على مباشرة الأمر بنفسه ولقد رأيته وهو يبكي في حال الحرب كيف لم يقدر على مخالطته ورأيته وهو يأمر أولاده واحد بعد واحد بمكافحة الأمر ومخالطة الحرب، ولقد سمعت منه وقائل يقول إن الوخم قد عظم في مرج عكا بحيث أن الموت قد كثر في الطائفتين ينشد متمثلاً:
قتلاني ومالكاً، واقتلا مالكاً معي يريد بذلك التي قد رضيت أن أتلف أنا إذا تلف أعداء الله وحدث بذلك قوة عظيمة في نفوس العسكر الإسلامي.